هل التربية علم أم فن
...
التربية ومشاكلها، وأساليبها وتوجيهاتها، وميراث طويل عبر الأجيال في طرق مختلفة لتعديل السلوك منها الصالح والطالح، ومنها الغث والسمين، ومنها السليم وغير السليم، ومنها الصواب والخطأ.
ولكن التربية في غفلة من الناس صارت شيئا تلقائيا، الكل يعرف كيف يربي ويوجه، والكل أسلوبه حسن وطيب، حتى وإن أخطأنا في التربية فهو ليس بخطأ، وإنما لكل شيء عندنا ما يبرره لنؤكد سلامة نوايانا، وصدق رؤيتنا، ورغبة أكيدة في تحسين عام لأسلوب أبنائنا
.
نتزوج ثم ننجب، فنحمل لواء الأبوة والأمومة على أعتاقنا، ومن غير خلفية واضحة، أو تعلم مسبق، أو توجيه علمي أو ديني نبدأ مشوار التربية، وتوجيه، وتعديل، وحث، وغيرها من الوسائل، ولا مرجعية إلا ما أعتقده، أو رأيته، أو ملت إليه.. فهذا يمكن أن يضرب ليؤدب دون النظر إلى أسلوب آخر لحل الإشكال، وقد يكون هناك أساليب أخرى متنوعة، ولكن ليس في الإماكن أبدع مما كان.. وتلك تنتقد وتنتقد، عفوا توجه كما يحلو للبعض أن يجمل النقد اللاذع والأسلوب الجارح بأننا موجودون حتى لا يقع أولادنا في الأخطاء!! هيهات هيهات فهل عدمنا من أساليب التوجيه إلا أسلوب النقد اللاذع.
وهذا يعتمد سياسة التخويف والإرهاب في كل صغيرة وكبيرة، معتمدا على فكرة جعل الأطفال «رجالا كبارا من بدري» دون ترك مساحات للخطأ وتصحيح الخطأ، دون ترك مساحة للمحاولة والتجربة، ودون ترك مساحة للثقة بالنفس، وتكوين شخصية هادئة مطمئنة واثقة من نفسها.
وتلك أم تعتمد على أسلوب المقارنات والتقليل في تربيتها، وهي لا تدرك أثر المقارنة في نفوس الأطفال، خصوصا أن الأطفال تختلف قدراتهم واهتماماتهم، بل ميولهم، ولنتذكر قوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، إذن لابد من معرفة قدرة الطفل ومساعدته في عملية التوجيه لزيادتها أو إنهائها.
الأم والأب والمربي الفاضل! ينقصنا الكثير لنتعلمه في أصول التربية والتوجيه، ولعلي مع من ينادي بوجوب إعطاء شهادة سميتها "محو أمية التربية" حتى يتسنى لنا أن نكون على مستوى مسئولية كوني أبا أو أما أو مربيا.
فالمعنى ضخم وكبير، ويحتاج المعنى إلى نفوس وشخصيات استطاعت أن تغير من نفسها حتى تكون على مستوى حدث التربية، فإن أعظم ما يمكن أن يقدمه الإنسان أو ينجزه أو يحققه أن ينظر إلى ولده أو ابنته ويشير بأصابعه: هذا ولدي - أو ابنتي - كما كنت قد تمنيت أن يكون، أو أنا فخور بكوني أبا لمثل هؤلاء الأبناء.
وهذا أعظم من المال والسلطة والجاه والصيت؛ لأن هذا الإنجاز يحمل في طياته طول عمر وقبول عند المنان، وفي الحديث: "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث"، منها: "ولد صالح يدعو له"؛ فأعظم استثمار ما كان في أولادنا، فلذات أكبادنا الذين يمشون على الأرض.
الفرق بين التربية والرعاية
إن كثيرا منا يخلط خلطا ما بين التربية والرعاية، ويستغرق في مسألة الرعاية جل الوقت، ولا يبقي للتربية طول النهار والليل مكان، فإذا نبهنا أحدهم أن الرعاية تستغرق الوقت كله استغرب مما نقوله أو نحاول التنبيه عليه.
فلو كان اليوم من الصباح كالآتي: نوقظ الأولاد والبنات للمدرسة، ونأمرهم بغسل وجوههم والوضوء ثم الصلاة، وننبه عليهم سرعة ارتداء ملابسهم، والإفطار والنزول، ثم يرجع الأبناء من المدرسة، فننبه عليهم أن يخلعوا ملابسهم، ويأكلوا طعامهم، ويستريحوا قليلا أمام التلفاز، ثم هيا بنا نذاكر، وننهي مذاكرتنا، ونتناول طعام العشاء، ثم هيا لتناموا.
إذا كانت حياتنا هكذا فأين التربية؟! هذه كلها رعاية، بمعنى الطعام والشراب والملبس والتعليم والتصنيف ووسائل الترفيه، كلها رعاية، ومن هنا يحدث خلل التربية.
تعبنا كأولياء أمور، ولكن أين النتيجة المرجوة من تعبنا؟! الأم في البيت موزعة بين أولادها، والأب موزع في عمله ليل نهار لتوفير قوت اليوم والحياة، وتمر السنون دون توجيه ثابت وإرشاد متدرج وتحفيز بناء وثواب وعقاب بنظام وتعديل للسلوك.
من هنا تبدأ المشكلات، مشكلات الأطفال، وهي كثيرة متنوعة، وتحتاج إلى جهد لعلاجها، وكذلك تعديل سلوك أطفالنا.
ولكن لكي نفهم الأمر فهما صحيحا فإن كل مشكلة من مشاكل الأطفال ليس لها حل واحد، أو سبب واحد، والقدرة التربوية لدى الآباء هي في معرفة السبب والمحرك لسلوك الطفل، ومن هذه النقطة ينطلق الحل، هل هو التجاهل أم الحب، أم الاهتمام، أم الثواب، أم العقاب، أم التواصل، أو حتى الخواء؟ فإذا أردت أن تكون تربويا؛ فالمفتاح استقراء ما وراء المشكلة، والأسباب التي أدت إلى هذا السلوك.
مثلا إذا رجع ولدك أو ابنتك بشيء يخص زميلا له، أو حتى معلمته إلى البيت، واكتشفتم الأمر.. ماذا أنتم فاعلون؟ مشكلة.. أليس كذلك؟ آه من ردود الأفعال، والأهم ما يجول بخاطر الآباء والأمهات المربين ساعتها، ولكم قصة قصيرة جدا:
الأم تستدعى من إدارة المدرسة، وتبلغها مديرة المرحلة وهي توبخها:
مديرة المدرسة: لابد أن تكوني مكسوفة من نفسك لفعل ابنتك.
الأم: أتكسف من إيه؟!
مديرة المدرسة: لأنك لم تربيها بالقدر الكافي.
الأم (مستفسرة): لم بنيت هذا التصور؟
مديرة المدرسة: لأن بنتك حرامية.
الأم: البنت ما زالت صغيرة على هذا المعنى.
مديرة المدرسة: صغيرة إيه، البنت حرامية شوفي لها حل؟
وهنا انتهت القصة، أقصد بدأت القصة، أتدرون يا سادة ما عمر البنت الحرامية؟ أربع سنوات، أي أنها لا تدرك حدود الملكية الشخصية، أي أنها لا تستطيع أن تحدد كما نحدد، أو أن تصنع حدودا كما نصنع نحن، والحل في هذه الحالة هو الحوار، وإعادة الشيء مرة تلو المرة، وينتهي الأمر ولكن ما يحدث غير هذا.
"إنت حرامية، إنت ربنا غضبان منك، إنت بتعملي حاجة حرام، إنت خسارة اللقمة الي بتكليها، إنت فضحتينا بين الناس"، وغيرها من العبارات والتصويرات دون النظر لأسباب مسلك الطفل على هذا النحو؛ فالأسباب تتعدد، وتتشعب على حسب السن، وبناء عليه يختلف أسلوب العقاب والتعامل والتفهم لمثل هذه الأمور.. وتعالوا نلقي نظرة على أسباب السرقة:
أسباب أخذ الطفل أشياء لا تخصه
الحرمان.
عدم تحديد ملكية.
الحرمان العاطفي.
التقليد.
انشغال أولياء الأمور.
قصور ذهني.
الانتقام.
الأصدقاء.
فقد الأمان داخل الأسرة.
ضعف الوازع الديني (لمن فوق الرابعة عشرة).
التدليل.
الخلافات الأسرية.ذا غيض من فيض الأسباب لموضوع مد الطفل يده على ما لا يخصه، وبالتالي علينا إذن أن ننظر لمشكلات أولادنا وأن يكون عندنا هذا المفهوم
من جروب اطفالنا مع دكتور ياسر نصر
...
التربية ومشاكلها، وأساليبها وتوجيهاتها، وميراث طويل عبر الأجيال في طرق مختلفة لتعديل السلوك منها الصالح والطالح، ومنها الغث والسمين، ومنها السليم وغير السليم، ومنها الصواب والخطأ.
ولكن التربية في غفلة من الناس صارت شيئا تلقائيا، الكل يعرف كيف يربي ويوجه، والكل أسلوبه حسن وطيب، حتى وإن أخطأنا في التربية فهو ليس بخطأ، وإنما لكل شيء عندنا ما يبرره لنؤكد سلامة نوايانا، وصدق رؤيتنا، ورغبة أكيدة في تحسين عام لأسلوب أبنائنا
.
نتزوج ثم ننجب، فنحمل لواء الأبوة والأمومة على أعتاقنا، ومن غير خلفية واضحة، أو تعلم مسبق، أو توجيه علمي أو ديني نبدأ مشوار التربية، وتوجيه، وتعديل، وحث، وغيرها من الوسائل، ولا مرجعية إلا ما أعتقده، أو رأيته، أو ملت إليه.. فهذا يمكن أن يضرب ليؤدب دون النظر إلى أسلوب آخر لحل الإشكال، وقد يكون هناك أساليب أخرى متنوعة، ولكن ليس في الإماكن أبدع مما كان.. وتلك تنتقد وتنتقد، عفوا توجه كما يحلو للبعض أن يجمل النقد اللاذع والأسلوب الجارح بأننا موجودون حتى لا يقع أولادنا في الأخطاء!! هيهات هيهات فهل عدمنا من أساليب التوجيه إلا أسلوب النقد اللاذع.
وهذا يعتمد سياسة التخويف والإرهاب في كل صغيرة وكبيرة، معتمدا على فكرة جعل الأطفال «رجالا كبارا من بدري» دون ترك مساحات للخطأ وتصحيح الخطأ، دون ترك مساحة للمحاولة والتجربة، ودون ترك مساحة للثقة بالنفس، وتكوين شخصية هادئة مطمئنة واثقة من نفسها.
وتلك أم تعتمد على أسلوب المقارنات والتقليل في تربيتها، وهي لا تدرك أثر المقارنة في نفوس الأطفال، خصوصا أن الأطفال تختلف قدراتهم واهتماماتهم، بل ميولهم، ولنتذكر قوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، إذن لابد من معرفة قدرة الطفل ومساعدته في عملية التوجيه لزيادتها أو إنهائها.
الأم والأب والمربي الفاضل! ينقصنا الكثير لنتعلمه في أصول التربية والتوجيه، ولعلي مع من ينادي بوجوب إعطاء شهادة سميتها "محو أمية التربية" حتى يتسنى لنا أن نكون على مستوى مسئولية كوني أبا أو أما أو مربيا.
فالمعنى ضخم وكبير، ويحتاج المعنى إلى نفوس وشخصيات استطاعت أن تغير من نفسها حتى تكون على مستوى حدث التربية، فإن أعظم ما يمكن أن يقدمه الإنسان أو ينجزه أو يحققه أن ينظر إلى ولده أو ابنته ويشير بأصابعه: هذا ولدي - أو ابنتي - كما كنت قد تمنيت أن يكون، أو أنا فخور بكوني أبا لمثل هؤلاء الأبناء.
وهذا أعظم من المال والسلطة والجاه والصيت؛ لأن هذا الإنجاز يحمل في طياته طول عمر وقبول عند المنان، وفي الحديث: "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث"، منها: "ولد صالح يدعو له"؛ فأعظم استثمار ما كان في أولادنا، فلذات أكبادنا الذين يمشون على الأرض.
الفرق بين التربية والرعاية
إن كثيرا منا يخلط خلطا ما بين التربية والرعاية، ويستغرق في مسألة الرعاية جل الوقت، ولا يبقي للتربية طول النهار والليل مكان، فإذا نبهنا أحدهم أن الرعاية تستغرق الوقت كله استغرب مما نقوله أو نحاول التنبيه عليه.
فلو كان اليوم من الصباح كالآتي: نوقظ الأولاد والبنات للمدرسة، ونأمرهم بغسل وجوههم والوضوء ثم الصلاة، وننبه عليهم سرعة ارتداء ملابسهم، والإفطار والنزول، ثم يرجع الأبناء من المدرسة، فننبه عليهم أن يخلعوا ملابسهم، ويأكلوا طعامهم، ويستريحوا قليلا أمام التلفاز، ثم هيا بنا نذاكر، وننهي مذاكرتنا، ونتناول طعام العشاء، ثم هيا لتناموا.
إذا كانت حياتنا هكذا فأين التربية؟! هذه كلها رعاية، بمعنى الطعام والشراب والملبس والتعليم والتصنيف ووسائل الترفيه، كلها رعاية، ومن هنا يحدث خلل التربية.
تعبنا كأولياء أمور، ولكن أين النتيجة المرجوة من تعبنا؟! الأم في البيت موزعة بين أولادها، والأب موزع في عمله ليل نهار لتوفير قوت اليوم والحياة، وتمر السنون دون توجيه ثابت وإرشاد متدرج وتحفيز بناء وثواب وعقاب بنظام وتعديل للسلوك.
من هنا تبدأ المشكلات، مشكلات الأطفال، وهي كثيرة متنوعة، وتحتاج إلى جهد لعلاجها، وكذلك تعديل سلوك أطفالنا.
ولكن لكي نفهم الأمر فهما صحيحا فإن كل مشكلة من مشاكل الأطفال ليس لها حل واحد، أو سبب واحد، والقدرة التربوية لدى الآباء هي في معرفة السبب والمحرك لسلوك الطفل، ومن هذه النقطة ينطلق الحل، هل هو التجاهل أم الحب، أم الاهتمام، أم الثواب، أم العقاب، أم التواصل، أو حتى الخواء؟ فإذا أردت أن تكون تربويا؛ فالمفتاح استقراء ما وراء المشكلة، والأسباب التي أدت إلى هذا السلوك.
مثلا إذا رجع ولدك أو ابنتك بشيء يخص زميلا له، أو حتى معلمته إلى البيت، واكتشفتم الأمر.. ماذا أنتم فاعلون؟ مشكلة.. أليس كذلك؟ آه من ردود الأفعال، والأهم ما يجول بخاطر الآباء والأمهات المربين ساعتها، ولكم قصة قصيرة جدا:
الأم تستدعى من إدارة المدرسة، وتبلغها مديرة المرحلة وهي توبخها:
مديرة المدرسة: لابد أن تكوني مكسوفة من نفسك لفعل ابنتك.
الأم: أتكسف من إيه؟!
مديرة المدرسة: لأنك لم تربيها بالقدر الكافي.
الأم (مستفسرة): لم بنيت هذا التصور؟
مديرة المدرسة: لأن بنتك حرامية.
الأم: البنت ما زالت صغيرة على هذا المعنى.
مديرة المدرسة: صغيرة إيه، البنت حرامية شوفي لها حل؟
وهنا انتهت القصة، أقصد بدأت القصة، أتدرون يا سادة ما عمر البنت الحرامية؟ أربع سنوات، أي أنها لا تدرك حدود الملكية الشخصية، أي أنها لا تستطيع أن تحدد كما نحدد، أو أن تصنع حدودا كما نصنع نحن، والحل في هذه الحالة هو الحوار، وإعادة الشيء مرة تلو المرة، وينتهي الأمر ولكن ما يحدث غير هذا.
"إنت حرامية، إنت ربنا غضبان منك، إنت بتعملي حاجة حرام، إنت خسارة اللقمة الي بتكليها، إنت فضحتينا بين الناس"، وغيرها من العبارات والتصويرات دون النظر لأسباب مسلك الطفل على هذا النحو؛ فالأسباب تتعدد، وتتشعب على حسب السن، وبناء عليه يختلف أسلوب العقاب والتعامل والتفهم لمثل هذه الأمور.. وتعالوا نلقي نظرة على أسباب السرقة:
أسباب أخذ الطفل أشياء لا تخصه
الحرمان.
عدم تحديد ملكية.
الحرمان العاطفي.
التقليد.
انشغال أولياء الأمور.
قصور ذهني.
الانتقام.
الأصدقاء.
فقد الأمان داخل الأسرة.
ضعف الوازع الديني (لمن فوق الرابعة عشرة).
التدليل.
الخلافات الأسرية.ذا غيض من فيض الأسباب لموضوع مد الطفل يده على ما لا يخصه، وبالتالي علينا إذن أن ننظر لمشكلات أولادنا وأن يكون عندنا هذا المفهوم
من جروب اطفالنا مع دكتور ياسر نصر
No comments:
Post a Comment