Friday, 18 November 2011

أسس بناء نفسية الطفل د. ياسر نصر

أسس بناء نفسية الطفل


د. ياسر نصر

إن مشكلة عدم التواصل بين الآباء والأبناء تكمن فينا نحن الآباء والأمهات بنسبة عالية جدا، نحن كأولياء أمور.. آباء وأمهات مشاركون جزئيا أو كليا بنسبة حوالي 80% في مشاكل الأبناء، فنحن نحتاج إلى أن نتعلم التربية وعلومها، يجب أن نتعلم الكثير من المعاني مثل الصبر والمرونة والموازنة بين الأولويات واختيار أخف الض...ررين وكل ما يساعدنا في تربيتنا لأبنائنا تربية ناجحة.
وسنذكر مثالين من واقع حياتنا يوضحان أن جذور المشاكل بين الآباء والأبناء لدى الآباء الذين يقع على عاتقهم النصيب الأكبر من تحمل أسباب تلك المشاكل، وإن كان الظاهر غير ذلك.


ابني خُطف
العنوان غريب لكنه واقعي جدا، وهي حادثة واقعية مرت بها أسرة من الأسر، وأرجو من القارئ العزيز أن يركز معي جيدًا في تلك المشكلة، وهي قصة أم بدأت تقلق على رجوع ابنها.. الابن قال سأرجع من عند صديقي الساعة التاسعة.. ومحمد هذا (الصديق) كان يسكن في العمارة المجاورة لهم.. وقد انتظرت الأم حتى الساعة التاسعة ثم انتظرت حتى العاشرة والنصف، فقالت الأم: أكلم محمدًا عبر الهاتف ورفعت السماعة فقال لها محمد: لقد نزل منذ ساعة ونصف.
وبدأت الأم تتصل بالبقال الذي يمر به ابنها كل يوم وهو داخل للمنزل وسألته عن ابنها فقال لها: لم يمر اليوم، ثم اتصلت بزوجها وقالت له: ابننا لم يرجع للمنزل حتى الآن فأتى الأب مسرعًا وذهب لزميل ابنه ليستفسر عما حدث فقال له: لقد رحل من عندي الساعة التاسعة.. سبحان الله الولد اختفى.. فخرج الأب يبحث عن ابنه في الشوارع المحيطة بهم وعند أصحاب الابن.. الولد لم يتأخر من قبل، وكان الولد في الصف الأول الإعدادي.. والساعة أصبحت الواحدة.
ثم أتت رسالة عبر هاتف الأب الخلوي من رقم هاتف الولد فيها "ابنك اتخطف ولن نتركه إلا بمقابل مادي قدره كذا.."، طبعًا الأب عندما قرأ الرسالة بدأ يقلق ويضطرب وخاف على ابنه ثم حاول الاتصال بهاتف ابنه لكنه كان مغلقًا فاتصل بالشرطة وحضرت الشرطة للبيت واشتد الأمر تمامًا.
وبعد وقت وصلت الأب رسالة أخرى من هاتف الولد فيها "سلمنا المال الساعة الثالثة" ثم فجأة أثناء كل هذا القلق ووجود الشرطة والجيران يظهر الابن الساعة الرابعة ليقول لأبيه أنا الذي فعلت كل ذلك ولم أكن أتصور أن الأمور ستتطور إلى هذا الحد.
أنا لم أخطف وإنما أردت أن أعرف ماذا لو حدث ذلك، لكنني لم أتوقع أنك ستبلغ الشرطة.
وبالرجوع للتفاصيل فهذا ولد متفوق في دراسته، نتيجته دائمًا فوق 90%.. ليس على الولد أي أمارات لإساءة الأدب لوالده أو والدته.. لكن الحدث في حد ذاته حدث إجرامي.. حدث جعل الأسرة كلها تهتز والأمور تتطور لدرجة استدعاء الأمن.. الأب طبعًا ضرب الولد ضربًا شديدًا والأم اتصلت تقول لي كيف أتصرف؟! وأنا أطرح سؤالا على الآباء: لماذا تصرف الولد هكذا؟ هل المشكلة في الولد أم في الأب والأم؟

إن الدافع الحقيقي الذي دفع هذا الولد أن يلفت انتباه الأسرة بهذا الشكل المغالى فيه هو أن هذا الولد أراد أن يعرف قيمته الحقيقية عند أبيه وأمه.
وبعد جلوسي مع الأب والأم وجدت أن هذا الولد مظلوم.. لقد كان يحقر من قدره كثيرًا.. كان ترتيبه في الفصل الثالث فيقال له لماذا لست الأول؟ كان يحصل على 90% فيقال له ولماذا ضيعت الـ10%.. كان دائمًا يملى عليه كل شيء، افعل كذا ولا تفعل كذا.. اذهب يمينًا، اذهب يسارًا، ولو أخطأ الولد ولو لمرة تكون الكارثة ويكون العقاب شديدًا.
لقد شعر هذا الولد بالمهانة بالرغم من تفوقه، وهذا الإحساس يدفع في كثير من الأحيان لقدر من الانحراف السلوكي.
للأسف فإن المشكلة تكمن داخل الأسرة دائمًا.. الإحساس بالمهانة عند الأولاد في بعض الأحيان يدفعهم إلى قدر من التصرفات الشديدة والمنحرفة، لابد أن نوسع مداركنا لنصل لمعرفة أين تكمن المشكلة.
ابنتي مزورة
إنها مشكلة يمر بها أب فاضل وأم فاضلة، حيث قررت الأم في حياتها بعد أن تخرجت في الجامعة ألا تعمل حتى تتفرغ لأولادها، وأب يعمل منذ الصباح حتى الليل، أب مطحون في عمله ليوفر لأولاده مستوى ماديا غير عادي.
هذا الأب اتصل بي عبر الهاتف وكان صوته ضعيفًا فقلت له: ماذا بك؟ لماذا صوتك هكذا؟ فقال: أنا في كارثة، قلت له: أي كارثة؟ قال لي: ابنتي تزوّر وتكذب، القيم والأخلاق من أهم الأشياء التي زرعناها في أسرتنا، لكنني وجدت ابنتي قد زورت في شهادتها، تخيل أن ابنتي وقّعت في شهادة الشهر باسمي ثم أعطت الشهادة لأستاذها، ابنتي التي تعبت طوال عمري من أجلها، وهي في الصف الثاني الإعدادي يصل بها الحال إلى أنها توقّع توقيعي، كيف أتصرف؟!
طبعًا إدارة المدرسة هي التي أبلغت الأب والأم عن أن هذا التوقيع كان مختلفًا، فطلبت من الأب والأم الحضور للجلوس معهما.. البنت أخطأت، طبعًا أخطأت لكن من المتسبب الحقيقي في هذا الخطأ؟
وبعد مناقشة طويلة اكتشفت أن الأب الذي يتعب طوال اليوم والأم التي كرست حياتها لأولادها هما المتسببان في هذا الخطأ.
إننا عندما نشحن حياتنا ونجعل مقياسنا الوحيد للنجاح في حياتنا هو المذاكرة فهذا قد يُحدث أضرارًا، وليس معنى كلامي أن المذاكرة غير مهمة أو أن حث أولادنا على التفوق شيء غير ضروري، ولكن يجب ألا يكون التقييم الوحيد لديّ هو النجاح والحصول على 100% أو 95% .. أين مبدأ تربية الثقة بين الأب والابن؟
يجب أن يكون هناك تواصل مع الابن، يجب أن أعرف مهارات واهتمامات ابني الأخرى، يجب ألا ندخل في طاحونة الحياة، الأب يسعى للمال والأم تجلس في البيت والبنت تذاكر لأنها يجب أن تتفوق، أم من النوع القلق التي تشحن الأعصاب وتتوتر وتوتر المحيطين بها مع كل مشكلة تحدث داخل البيت، وبنت إذا حصلت على 95% يقال لها لماذا فقدت الـ5%؟ وننسى المجهود الضخم الذي بُذل في سبيل الحصول على 95%.
لماذا نرى دائمًا النقطة السوداء في الصفحة البيضاء.. إن هذا سيولّد إحساسًا بالخوف والقلق والتوتر.
لقد خافت البنت من مواجهة أبيها وأمها، لقد كانا يذكرانها دائمًا بتعب الأب طوال النهار والليل من أجل راحتها، ويذكرانها كم تتعب الأم وتبذل الجهد لأجل تفوق ابنتها، لقد خافت البنت من غضب الأب والأم، وخافت من أن تقل في نظرهما لأن مقياسهما الحقيقي والوحيد هو الحصول على 100%، وبالتالي تحرك الخوف والقلق في لحظة من اللحظات فطغى على القيم فأخطأت البنت وكان رد فعل الأب عنيفًا بضرب البنت ضربًا شديدًا جدًا.
يجب أن يدرك الآباء أن أولادنا هم الصلصال الذي نشكله.. هم المنظر الجميل الذي نطمح أن يكونوا عليه.. هم الإسفنجة التي تمتص كل ما حولها، إذا امتصت قلقًا فسينتج قلق وتوتر وإذا امتصت عنادًا فستعصر عنادًا وهكذا.
وأذكركم بمثال لعالم من العلماء أراد أن يكتشف اكتشافًا جديدًا، وهو صلة الجهاز الحركي بالجهاز السمعي عند الحيوان، وأراد أن يثبت أن أجهزة الحركة لها علاقة بأجهزة السمع، فأتى بضفدعة إلى معمله والضفدعة من الكائنات التي تستجيب للأصوات فكان يقول لها اقفزي فتقفز لأنها تتميز بأربع من الأطراف، فأراد العالم أن يجرب ماذا سيحدث لو قطع طرفًا من أطرافها الأربع، وفعلا قطع أحد أطراف الضفدعة الأمامية ثم قال لها اقفزي فقفزت الضفدعة، فأراد العالم أن يجرب ماذا سيحدث لو قطع طرفين من أطرافها الأربع وفعلا قطع الطرف الأمامي الآخر للضفدعة ثم قال لها اقفزي فقفزت بصعوبة، فأراد العالم أن يجرب ماذا سيحدث لو قطع ثلاثة أطراف من أطرافها الأربع، وفعلا قطع أحد أطراف الضفدعة الخلفي بالإضافة طبعًا بالإضافة إلى الطرفين الأمامين المقطوعين ثم قال لها اقفزي فقفزت بصعوبة شديدة جدًا، فأراد العالم أن يجرب ماذا سيحدث لو قطع جميع أطراف الضفدعة، فقطع الطرف المتبقي للضفدعة ثم قال لها اقفزي فلم تقفز فظل يقول لها مرارا اقفزي لكنها لم تقفز، فقال العالم الفذ نستخلص من هذه التجربة أننا إذا قطعنا أطراف الضفدعة الأربع أصيبت الضفدعة بالصمم.
وهذا بالضبط ما يحدث مع أولادنا فإذا أخذنا من أولادنا أغلى ما يمتلكون فسينتج عن ذلك العناد وعدم سماع الكلام.
إن القضية تحتاج إلى قدر كبير من الشفافية مع الذات وقدر من الإصلاح لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11].
البداية منك أنت ويجب أن تكون البداية حقيقية، يجب أن تكون بداية تغيير ومعايشة للواقع حتى يكون هناك مستقبل لأمتنا وإسلامنا.
لن نرتقي في الفترة القادمة إلا بجيل متميز، جيل يتوفر فيه القيادة، جيل يستطيع أن يغير، جيل فيه كل معطيات الانتصار.
بالله عليك لو نظرت لابنك أو ابنتك وهما نائمان واسترجعت أهدافك في الحياة وهي إرضاء الله سبحانه وتعالى ودخولك الجنة وانتصار الأمة، هل أولادك هم من يستطيعون فتح بيت المقدس والقيام بالنهضة، سواء كانت نهضة اقتصادية أو علمية أو أي نهضة؟
تذكر أن سلاحنا ليس فقط الصلاة والصوم، وإنما لابد من أن يكون هناك قدر من التربية لأولادنا على أسس سليمة واضحة المعاني.
إن إسلامنا لا يستقيم عموده بدعاء شيخ في مسجد، إن إسلامنا لا يستقيم عموده بقصائد تتلى بمدح النبي صلى الله عليه وسلم، إسلامنا نور يضيء طريقنا، إسلامنا نار على من يعتدي علينا وعلى حقوقنا، إسلامنا إسلام عمل، إسلامنا إسلام حقيقي واضح المعالم، إسلامنا إسلام أفراد يغيرون وجه التاريخ.
إن تركيبة أي إنسان عبارة عن أسس وضعت وزرعت منذ الصغر، إذا كانت تلك الأسس صحيحة صح المبنى وعلا وارتفع، وإذا كانت الأسس خاطئة انهار البناء، فإذا بنيت ابنك على أسس خاطئة فسينهار في لحظة من اللحظات، وانهيارات أولادنا انهيارات أخلاقية، وانهيارات في التعليم، وانهيارات في الأسلوب، وفي مفهوم الحياة وغيرها.
خمسة أسس
هناك خمسة أسس لابد أن تبنى عليها نفسية المسلم الحقيقي لكي يستطيع ذلك المسلم أن يخدم دينه.
1- لابد من زرع التفكير الإيجابي في ابنك.
2- زرع الاهتمامات الصحيحة في ابنك.. هل زرعت في ابنك أن يفتح مجلة أو صحيفة أو كمبيوتر.
ما هي الاهتمامات التي زرعتها في ابنك التي سيتكلم فيها مع أصحابه وسيعيش بها حياته؟
لقد كان البراء بن مالك بارعًا في القتال وفنونه، بينما كان أخوه أنس بارعًا في علم الحديث وحفظ القرآن، فهما مختلفان رغم أنهما من أسرة واحدة.. يقول البراء: يا أنس كنت أحدث ربي وأحدث نفسي فأقول هل مثلي يقبل عند الله شهيدًا في الجنة.
3- زرع المهارات، ويجب على كل أب وأم أن يكتشفا في ابنهما ما هي مهاراته، سواء مهارة خطابة أو إلقاء شعر أو كتابة أو مهارة من المهارات الرياضية.. إلخ، لابد من معرفة الشيء الذي يتميز فيه ابنك.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته خير مثال في كيفية بناء الأمة، ولعل أعظم من أفرز في هذه الأمة المهارات هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي أبرز مهارة رافع بن خديج، وهو مصارع وسمرة بن جندب وهو رام ماهر.
لقد أبرز الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المهارات في أعظم صورة مثل القتال بشجاعة، وهناك أيضا مهارة الحفظ وسرعة التعلم وسرعة القراءة عند صحابي اسمه زيد بن ثابت، واستطاع هذا الصحابي الشاب في أسبوعين أن يتعلم العبرانية وما فيها ويعرف تفاصيلها كتابة وحفظًا، أيضا مهارة القيادة عند أسامة بن زيد حيث اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم للقيادة لأنه يتميز فيها.. إذن على هذه الأسس بنيت هذه الأمة.
4- العلاقات.. لابد أن تعلم ابنك كيفية بناء العلاقات، علم ابنك كيف يبني علاقة صحيحة، وهذا الأساس يزرع من المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية.
ويجب أن تسأل نفسك هل أنت كأب تبني علاقات صحيحة؟ وما هي علاقتك بابنك؟ هل هي قائمة على الحوار؟ هل هي قائمة على أنك تستفيد من خبراته وإن كانت صغيرة؟
5- القدوات.. يجب أن يكون لدى ابنك قدوة، وليست بالضرورة أن تكون أنت هذه القدوة، وإنما لابد من زرع القدوات المستمرة.. القدوة الصالحة واضحة المعالم حتى يكون لدى ابنك مثل عليا.
فإذا وجدت خللا في أي أساس من هذه الأسس فاعلم أنك تربي تربية لن يستفيد بها الإسلام.
قصة قصيرة
هذه القصة قصتي أنا، أذكرها وأنا أرجع الفضل لله تبارك وتعالى ثم لأستاذ من أساتذتي لعلي أرد إليه بعض الفضل بعد الله تبارك وتعالى، وهذا الأستاذ اسمه الدكتور محمد نصار أستاذ اللغة العربية في مدرسة الأورمان النموذجية، كنت في الصف الأول الثانوي، والقريبون مني يعلمون أنني كنت شخصية خجولة لا أستطيع أن أواجه الآخرين لدرجة أن والدتي كانت تعد لي 1-2-3 وأنا داخل بالشاي على الضيوف حتى يمل والدي فيدخل هو الشاي للضيوف.
وفي رمضان ذهبت مع الوالد لصلاة التراويح، وسمعت الشيخ يقول لابد أن نفعل شيئًا للإسلام، ويجب على كل من سمع ما قيل أن يبلغه لغيره من الناس فكبر في ذهني أن أقول كلمة لزملائي في المدرسة، فذهبت للدكتور محمد وقلت له: بعد إذنك أريد أن أقول كلمة بعد صلاة الظهر لزملائي لأنني سمعت الشيخ أمس يقول كذا وكذا.. قال لي موافق يا ياسر، جهز ما تقول وتعال لتقول لي الكلمة، ثم بعد ذلك تقولها لزملائك في مسجد المدرسة بعد الصلاة، فذهبت لوالدي وأخبرته أنني سأقول كلمة غدا في المدرسة وهذه كانت أول مرة أتكلم فيها أمام أحد، فلابد أن يكون كلامي مضبوطًا فجهز لي عشر جمل لأحفظهم وجلست الوالدة وأخواتي أمامي طوال الليل وأنا لا أبالغ، لقد جلست طوال الليل أسمع، وعلى مشارف المدرسة ودعني والدي وقال لي: ربنا معك، ودخلت على الأستاذ محمد وأعطيته الجمل فقال: ممتاز، عليك أن تقولها بثبات، قلت له: لا تخف سأطيل رقبتك اليوم، ولقد دفعتني ثقته في لإلقاء تلك الكلمة، وكل الحصص التي سبقت الفسحة كنت جالسًا أسمع الكلام الذي سأقوله حتى أكون على مستوى ثقة أستاذي ووالدتي ووالدي والجميع.
وبعد الصلاة قال الأستاذ محمد: زميلكم ياسر سيقول لكم كلمة بمناسبة رمضان، هيا يا ياسر قل، فشعرت أن رأسي خفت وأن ما كان في رأسي مسح تمامًا فجلست أجمع شتات نفسي وأحاول أن أتذكر ما أردت أن أقوله وأحاول أن أسترجع الجمل العشر.. أين هي؟ أين ذهبت؟! حتى جملة واحدة لم أجد.. فقلت في نفسي: ربنا يستر، إن شاء الله سيكرمني الله وقلت إن الله لن يظلمني.
وفي النهاية لم أجد في ذهني أي شيء لأقوله، كل شيء مسح من ذاكرتي بممحاة مسحت كل الكلام، قلت لنفسي: لقد وقعت في شر أعمالي، مؤكد هذا ذنب فعلته وبسرعة قلت أقرب شيء أن أقرأ لهم الفاتحة وربما بعد ذلك سأتذكر الكلام فقلت: "بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين.. الرحمن الرحيم..." ولم أستطع أن أكمل، حتى الفاتحة لم أستطع أن أقولها، فقلت: أنتم تعرفون الفاتحة، أنا كنت أقرأ لكم فكملوها أنتم ثم صمت.. والأستاذ يقول لي تكلم يا ياسر، لكنني صمت صمت القبور بلا حركة كالجبل الراسخ، وكنت في الصف الأول الثانوي وطبعًا شباب ثانوي وجدوها فرصة ليسلوا صيامهم في رمضان علي، وظلوا يضحكون علي، وأسمع كلمة تقال من هنا وكلمة تقال من هناك، كل الدنيا تضحك علي وفي ذهني لماذا فعلت ذلك في نفسي؟ لماذا لم أكن مع الجالسين الذين يضحكون أفضل من أن يضحك علي؟ لماذا ذهبت للأستاذ محمد وقلت له أنا محل ثقتك؟ ولماذا أتعبت والدي وأمي؟
هذا الحديث كله دار في نفسي حقيقة.. حديث يدور في ذهن من اهتزت ثقته في نفسه تمامًا وهو من الأساس غير واثق في ذاته، واستطاع الدكتور محمد السيطرة على الموقف بقوله: هيا، كل على فصله وجلست في المسجد لا أتحرك، أنتظر الجميع أن يغادروا وتظاهرت بأنني أصلي ركعتين، والحق يقال أنا لا أعلم كيف ركعت وكيف سجدت، فلم أكن أريد الصلاة وإنما كنت أحاول الهروب، ومر الناظر فوجدني في المسجد فقال لي: لماذا أنت هنا، اذهب لفصلك فذهبت مسرعًا للفصل وكان الفصل ممتلئًا بالطلاب، قلت: كيف سأدخل وأريهم وجهي وكان من حظي أن الحصة التالية كانت حصة الأستاذ محمد ماذا أفعل والناظر خلفي يقول لي ادخل فصلك فقلت سأدخل وأمري لله وبمجرد دخولي سمعت طبعًا سيلا من الضحك الشديد، وكنت أشعر أنني أصغر كائن موجود في الكون، تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبلعني، لو استطعت الهرب اليوم من المدرسة لفعلت.
هذه بالضبط هي الأحاسيس التي كانت بداخلي، ودخلت وأن أحاول أن أخبئ وجهي من الأستاذ محمد، طبعًا منظري كان سيئًا جدًا، وكان الأستاذ محمد يمسك بعصا كانت معه دائمًا لم يكن يضرب بها أحدًا لكن كانت في يده دائمًا، ثم أتى إلي ودق بالعصا على المنضدة التي أمامي وقال: أنت، قلت: أنا! قال: نعم أنت قم، قلت: يا أستاذ لو أردت فعل شيء لا تفعله أمام أصحابي افعله بعد الحصة، قال: هيا قم تحرك أمامي، فمشيت أمامه كالأسير لا حول لي ولا قوة ونظرت في الحائط فقال لي: انظر لزملائك، قلت له: يا أستاذ محمد بعد إذنك أنا من المتفوقين، أنا مخطئ أنا.. قال لي: ارفع يدك، ارفع يدك اليمنى، والله الذي لا إله إلا هو مازلت أحس بأنامل يديه على أصابعي في يدي اليمنى ورفع يده وأمسك بيدي اليمنى، وقال الآتي: زميلكم ياسر الوحيد الذي حاول أن يتكلم.
وعندما قال هذه الجملة قلت فعلا، صحيح أنا الوحيد الذي حاولت، فبالتالي أنا أفضل منهم جميعا، ثم قال: وغدًا سيتكلم زميلكم ياسر، لا تتصور كم الثقة التي أعطيت لشاب في مقتبل العمر في سن المراهقة، لقد جعلني أفكر في التفكير الإيجابي لهذا الموقف، فعدت إلى والدي أقول له ولوالدتي أنا الوحيد الذي حاول أن يتكلم، فيسألني والدي هل تكلمت بصورة جيدة؟ فأقول له: يا بابا أنا الوحيد الذي حاول.. يا بابا أنا أفضل من غيري.. وسأتكلم غدا.
إن التربية مراحل وخطوات ونقلات ومواقف، والأب الذكي والأم الذكية والمربي الفاضل هو من يستطيع أن يستغل بعض اللحظات التي ربما تحدث في الشخص نقلة أو تفجر فيه المهارات التي لم تكن بأي حال من الأحوال ستنفجر إلا في هذا الموقف ونفس الموقف مع مربٍ غير واعٍ بأصول التربية ربما يقتل روح التنافس والثقة بالذات.
ربما يأتي لك ابنك وهو فاشل ومخطئ رغم أنه بذل جهدًا لكنه لم يصل إلى ما أراده، وهنا يحتاج هذا الابن منك أن تمد له يدًا عطوفة ورئيفة وقلبًا مفعمًا وعقلا ذكيًا حتى تخرجه من هذا الموقف بثقة في نفسه وقدراته، وشعوره بقدر من الثبات، لهذا يقول الله تعالى: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:24].
وأنا أناشد كل أب وكل أم ألا يسلخوا أولادهم بقولهم لهم: نحن أنفقنا عليكم الكثير، وتعبنا معكم ويا ليته نفع.. هذا خطأ كبير يقع فيه الكثيرون.
الآن لنعرف رأي الآباء في أبنائهم ورأي الأبناء في آبائهم.
رأي الوالدين
أب يقول: ابني عندما يغضب أو يتعصب يفقد السيطرة على نفسه تماما فكيف أتعامل معه؟ وكيف أوليه ثقتي؟
أب آخر يقول: مستحيل أن أثق في ابني أبدًا لأنه يقول لي شيئًا ويفعل شيئًا آخر.
أم تقول على أولادها: إنهم ما زالوا صغارًا ولا أقدر أن أثق فيهم.
أما رأي الأولاد..
فيقولون إن بابا وماما لا يوافقان عندما أطلب منهما أن أفعل كما يفعل زملائي.. أبي وأمي لا يسمحان لي أن أخرج وأتمشى مع أصدقائي.. لا يسمحون لي أن أزور أصحابي.. بابا وماما لديهما فضول شديد جدا، كل شيء يريدان أن يعرفاه.. أين أذهب وقابلت من، وأصدقائي أين يسكنون.. نحن نحتاج إلى حرية لكنهم يضعون لنا قيودًا كثيرة.. أنا أستطيع أن أتخذ بعض القرارات.. أمي وأبي يفتحان حقيبتي ليعرفا الواجب.. وفي التليفون يجب أن أتكلم بوقت زمني محدد، نصف ساعة أو ربع ساعة وأنا أريد أن أتكلم بحرية مع أصحابي.إذن على الآباء أن يتفهموا وجهات نظر أبنائهم واحتياجات هؤلاء الأبناء في محاولة لمد جسور التواصل بينهم وبين

أبنائهم


من جروب اطفالنا مع دكتور ياسر نصر



No comments:

Post a Comment